لم تعد تحت طائلة القانون حتي و إن كانت تاجرة
حشيش بحكم قانون الولاية التي نعيش فيها ، قوانين عجيبة تبيح الإتجار
بالمخدرات
وترخص المجون و الفحش..وأصبح كل منا علي الأقل لديه جار شاذ جنسيا أو يتجر بالمخدرات..لن
ألوم قوانين التعايش .
كانت ضخمة الجثة ..لها هيبة ..صوتها كصرير
الباب في أذني ..السجائر في فمها كالعلكة في فم فتاة تعشق السكاكر..عبارات السب و
اللعن تجري علي لسانها كما يجري اللعاب..طيلة عامين لم تبادلني التحية ولم ترفع
عينها لعيني وكأني "بحجابي" كومة قمامة!
وطالما هذا هو الحال ..فلم أبادر أبدا بإلقاء
التحية أو ما شابه من عبارات " صباح الخير" و" مساء الخير"
المعهوده بين جيران البناية..وكأننا اتفقنا ألا نتفق ..وبمرور الوقت صار خوفي منها
في زياده خصوصا بعدما رددت جارتي الأوروبية أن جارتنا هذه من الأمريكان العنصريين المتغطرسين
وتفتقر للذوق ، حيث أمرت بناتها بالإنصراف عن بنات الأوروبية" التي تتحدث
الإنجليزية الركيكة" لأنهما ليستا أمريكيتان مثل بناتها ..هكذا نهرت الفتاتين
أمام أمهما دون أن يرمش لها جفن..ناهيك عن زوار الليل كل مساء أمام بابها يحتسون
الخمور ويدخنون الماريجوانا ويتبادلون النكات بصوت يرجرج سكون الليل حتي في أشد ليالي
الشتاء بروده.
حكوا لي مره أن الإسعاف أتي ليلا ذات مره
لحمل زوجها بعد شجار عنيف بينهما وزعموا أنها إنهالت علي زوجها ضربا حتي كسرت ذراعه..مما
زاد رعبي منها ..كنت حتي أتحاشي النظر إليها ..بل كنت أخاف المروق إلي شرفتي التي
تطل علي مكان وقفاتها وزبائنها المفضل.. هل هذا عدل يا ناس!!!
وذات مره كنت أعبر الشارع بصغاري ، وبحكم قانون
المرور فإن المترجلين لهم أولوية الطريق، ومع هذا عبر زوجها الشارع وكاد يدهس صغيري..
ولم ينظر ولم يتأسف أو حتي يلوح بيده معبرا عن أسفه..أبدا لم يحدث.. زاد حنقي وشعرت
بالمهانة..فهي لا تسمح لأي من سكان البناية بالمرور أمام منزلها "حيث تمتطي
فتياتها الدراجات" بسرعه أكثر من خمسة أميال في الساعة ولو غفل أحدهم وتجاوز
السرعة " التي سمحت بها هي" كالت له السباب بأقذر الألفاظ.. وكان سؤالي
": من أين تكسب تلك المتسكعة رزقها كي تدفع إيجارها في منطقة راقية كهذه؟؟ وكيف
تسمح لنفسها بسباب الناس ولعنهم دون رادع لها؟"
لا أنكر أن بعد ما كاد زوجها يدهس صغيري كنت
أحلم باليوم الذي أرد لها الصاع صاعين أو أكيل لها السباب أو استرد كرامتي ..وأعلم أني كل ما أملكه هو فقط
الحلم ولا أكثر من ذلك.. ومرت أيام قليلة وخرجت إلي شرفتي ...وهي كالعادة مع
زبائنها بالشارع يد بها سيجارة تنفث دخانها في مزيج من الكبر والإمتعاض ويد أخري
بها مشروب طاقة أو ربما مشروب روحي ..خليط جعلها تهذي بوابل من الشتائم لجارنا
المسكين الذي أخطأ و تجاوز السرعة المسموحة وهو يمرق الجراج..
كدت أتميز من الغيظ..حاولت التجاهل وساعدني
في ذلك أن صغيري دلف إلي الشرفة خلفي وراح يلقي ما بيده من لعب وورق من الشرفة ، وبينما
التفت له كي أوقفه ندهتني لأول مره منذ عامين لتقول لي بلهجة آمره تخلو من الأدب قبل
الذوق:" ألن تأتي لتلملي ما ألقاه ابنك؟".. نظرت لها شذرا ولم أعلم من
أين أتيت بتلك القوة" الزائفه" فأنا شخص في حالي و" أعيش جنب
الحيط" كما يقولون ولكني رددت لها اللكمة ورددت بأسلوب فج وأكثر فظاظة" وما
شأنك أنت؟" !!
أعلم أنه لا ينبغي للمرء أن يعامل الناس بما
يعاملوه ولكن عليه أن يعاملهم بما يريدهم أن يعاملوه، ولكن في لحظة غضب سينهار كل
ما تؤمن به ، وصدقا أنا لست من ذاك النوع من النساء اللواتي يتتبعن الأخريات ولم
أكن أعلم صدقا أن ابني ألقي بلعبه وأوراقه أمام باب بيتها و الذي هو أسفل شرفتي
بالضبط " هذا ما اكتشفته لاحقا"!!!
وشكانا الجيران أننا تعاركنا وتبادلنا السباب
مع أن فقط كل ما قلته :" إن كنتي تريدين أن ألملم ما ألقي ابني فسأعطيك خمسة
دولارات ولتفعلي أنت ذلك".. ويُهيأ لي أني كنت وقتها مثلي مثل ذاك الضعيف ذو
الجسد الواهن الذي اعترض طريق محمد صبحي الممثل طويل القامة عريض المنكبين في مسرحية
الهمجي وقال له "ما تقدااااااررررررشششششش"..
كم كانت شاقة ومستحيلة تلك ال " ما تقداااااارررررششششش"..كم ذرفت من دموع الندم بعدها وكم انتابتني القشعريرة وأنا يُخيًل إليِ أنها آتيه لا محالة لتقتلني وأنا مستلقية أو نائمة في مضجعي، أو ربما اعترضت طريقي وأنا عائدة من المتجر وكتمت أنفاسي حتي ألفظ آخرها ..أو ربما رشقتني برصاصة طائشة وأنا في طريقي للمسجد جوار بيتي، وإن فعلت فليس لي ديًة..فقد أخبرتني مديرة البناية أن تلك الجاره لها صلات جيده بشرطة المنطقة وأبلغت أكثر من مره عن حادث سرقة بالبنك علي ناصية الشارع وأفشلوا المحاولة بفضل جهودها ومراقبتها ، والبديهي لمن يقرأ قصتي أنها تُبلِغ عن شركائها وأصدقاءها " السابقين".
وما توقعته قد كان ، كنت عائده ذات يوم من المتجر ورشقوني " ليس برصاصه..حمدا لله" ولكن بحجارة صغيرة ألقوها بنبلة.. لم ألتفت ورائي ولكن عزمت أن أؤمِن نفسي فكان لدي بريد ألكتروني خاص بأحد ضباط شرطة المنطقة وجدته في صفحة فيسبوك الخاصة بهم وأرسلت له رسالة عن نفسي وعن جارتي وعن مشاجرتنا وعن خوفي منها وعن إحتمال أن تضرني.. ولم أكن أتوقع أن يرد علي خطابي أصلا ، لكن رددت لنفسي أنه علي الأقل إن لم يساعدني فسيعرف حكايتي وربما يعلم فيم قُتِلت " إن قتلتني تلك الخنزيرة"!
.!وعلي عكس المتوقع رد علي الضابط ولكنه قال لي
" أنا لا أفهم من رسالتك شئ..ولا أفهم لم أنت قلقة أصلا ".
رده لم يوح لي أنه قد يهم بمساعدتي ..وبعدها بأيام ولأول مره منذ عامين وجدت سيارة مجهولة الهوية لا
تتزحزح من أمام شرفتي... ولأول مره منذ سكنت تلك البناية اللعينة قرع أحدهم بابي
ليبيعني الجرائد وهذا شبه مستحيل مع الأبواب الموصدة ألكترونيا علي بوابات البناية..
وصادف أن عقد الإيجارخاصتي قد انتهي وشبه تلميحات أنه لن يتم تجديد العقد ، ورغم
ما في ذلك من " لخبطة" لحياتي وروتيني المعتاد إلا أنه حتما الحل الأفضل
في تلك المرحلة الغامضة والمريبة من حياتي ، ولكن بعدها بأيام قلائل إنقطعت
الضحكات أمام شرفتي ... إذ لم تعد تتسكع مع زبائنها أمام بيتي ..بل و الأدهي من
ذلك أنني وجدتها هي من تنقل أغراضها وتستعد للرحيل بينما أنا جددوا لي العقد لعام
آخر مع رفع الإيجار مبلغا ليس بالكثير نسبيا وكل ما أذكره لطف مديرة البناية بعدما
شكوت لها كل ما حدث واستشعرت خوفي الشديد من وجود تلك الجارة في البناية ..وكل ما
قالته " أنتم نزلاء طيبون وجيدون حقا" ..لأجد بعد شهور قليله أن بنايتنا
قد زاحمنا فيها جيران مسلمين آخرين ممن يعيشون " جنب الحيط"... ولكن لا
أعتقد أن لديهم الشجاعة ليقولوا تلك ال "ماتقداااااررررررشششششش" ..
قليل من الشجاعة قد يضر حينا، ولكنه حتما سيفيد
في كثير من الأحيان.

Comments