الرواية كاملة
جلست
نورا ولم تلمح نظرات الفزع والرعب المسددة نحوها من قِبَل ميشال.. السيدة الفرنسية
تشعر بالرعب والهلع ما إن جلست بجوارها تلك الشابة ذات الغطاء الأخضرعلي رأسها..ألوان
زيها صريحة وجريئة مما يدل علي أن هذه الشابة جريئة ولا تعرف للخوف طريقا.. ميشال خبيرة في الأزياء بحكم عملها وتعلم أنه
ثمة علاقة خفية بين ما يرتديه المرء وما يفكر به.. وتجزم أن هناك خط واصل بين ما
يلبسه المرء و الطريقة التي يتصرف بها بحسب طباعه وما يؤمن به.. هكذا تعلمت ميشال
وهكذا تفكر.. وهكذا ازداد رعبها من تلك الشابة التي ستظل رفيقة رحلتها الطويلة من
مصر إلي فرنسا.
يا
إلهي.. خمس ساعات من الخوف والترقب.. ربما ترتدي تلك الفتاة حزاما ناسفا تحت تلك
التنورة الطويلة وربما أخرجت مسدسا من جيب سترتها الجانبي لتطلب من الجميع أن
يشهروا إسلامهم أو يُقتَلون..هذا فوق الإحتمال!.. آخ لو كان لديك سيناريو معين أو
فكرة مسبقة عن شئ ما ، حتما ستجد عقلك بكل الوسائل وبلا وعي يؤكد لك الفكرة ويصنع
مشاهد وحكايات وربما مواقف كي تؤكد ظنونك وتسترسل في أفكارك حتي لو لم تكن أفكارا
لها أي أساس من الصحة.. حاولت ميشال أن تطلب من المضيفة تغيير المقعد قبلما تقلع
الطائرة.. ولكنها تراجعت عن تلك الفكرة السخيفة بعدما وجدت أن الطائرة مكتظة
بالناس عن آخرها، كما أن الطائرة تعج بنساء أخريات بأغطية للرأس.. فلا جدوي من
تغيير المقعد والجلوس بمقعد آخر بجوار فتاه أخري ترتدي غطاء للرأس.
يا إلهي.. كم أنا بلهاء كي أختار تلك الرحلة!.. ماذا كان ليحدث
لو كنت إخترت رحلة أخري فلا أحتاج أن تكون طائرتي ترانزيت في بلد إسلامي؟.. مصر ليست بلد إسلامي ولكنها بلد مليئة بهؤلاء..
بهؤلاء الزومبيز ممن يلبسون أغطية الرأس وتنورات طويلة.. وبدون أن تشعر.. فلتت من
أفكارها إمتعاضة زارت شفتيها وهي تنظر إلي نورا التي تجلس في المقعد المجاور.
نورا بعينين محدقتين للنافذة تطل علي آخر ما ستطلع عليه عيناها من الوطن قبل أن تقلع الطائرة.. فجأة.. تذكرت نورا أنها وعدت والدتها أن تهاتفها قبلما تنطلق الطائرة.. انتفضت نورا بمجرد أن تذكرت.. وبحركة سريعة وعصبية مدت يدها لتخرج جوالها من جيب التنورة الأيمن..وياللمفاجأة، لم تجد الهاتف!.. ياللهول هل سقط الهاتف منها في المطار؟؟؟ أم بجانب المقعد؟؟ هنا أم هناك ؟ أم في صالة المطار؟ كيف ستطمئن والديها الآن؟ سيظنون أنه أصابها مكروه بلا شك.وبحركة أكثر عصبية مدت يدها في الجيب الآخر.. لكن قبل أن تستقر يدها في جيب التنورة ارتطمت أصابعها المتشنجة جراء الصدمة بجانب السيدة الشقراء الأيمن والقابعة في المقعد المجاور.. انتفضت ميشال في فزع ... صلُبَت علي نفسها ..تمتمت ببعض الهمهمات غير المسموعة.. لم تفهم منها نورا أي شئ.. لكن نورا همًت بالإعتذار للسيدة التي أشاحت بوجهها عنها.. رددت نورا في تردد وبصوت نصف مسموع وبإنجليزية لكنتها جيدة:" آسفة سيدتي.. لم أقصد..".
تابعت
نورا علامات الخوف علي وجة ميشال.. تابعت
عينيها المغلقتين في خوف.. ويديها الملصقتين طوليا مع بعضهما بعصبية وكأنها تؤدي
الصلاة.. ياللهول ..أبهذه السرعة تبدأ المغامرات؟
هاهو ذاك الهاتف اللعين ..في جيب تنورتها الآخر..التقطت
هاتفها من جيب تنورتها الأيسر واتصلت بأمها في مكالمة سريعة خاطفة وأنهت المكالمة
:
"لا إله إلا الله يا أمي"...وما إن سمعت ميشال
ذاك المقطع " الله" وتسمرت في مكانها ..أنفاسها تبدو أعلي صوتا..صدرها
يتحرك صعودا و هبوطا بسرعة البرق ..نورا
تنظر بإستغراب و فضول... ثم بعد دقيقة قررت أنه لا يجب أن يستمر هذا أكثر من
ذلك..نظرت نورا بعينيها الخضراوين الهادئتين لميشال في حنو و عطف..
وسريعا
ربتت علي كتفها في هدوء.. ففتحت ميشال عينيها وكأنها أفاقت من إغماءة أو موتة
قصيرة لتجد هذا الملاك الباسم ماثل أمام عينيها...لحظة.. ياربي إنه ليس ملاكا.. لا
أجنحة ولا سماء ولا شئ..إنه تلك الفتاه الجالسة في الجوار..وهي سليمة لم يصبها
مكروها البتة ..وتلك الفتاة ذات الغطاء علي رأسها تنظر لها بعينين بهما أطنانا من
الحنان.. وثغر باسم و بإنجليزية سليمة متقنة قالت لها:" اسمحي لي سيدتي.. هل
أنت بخير ؟ يمكنني أن استدعي المضيفة إن أردت؟".
لوهلة
لم تصدق ميشال ما تراه.. ولكن وجدت لسانها يردد بلا وعي.." أنا بخير.. أنا
فقط أهاب الطائرات.. سأكون بخير حينما
تقلع الطائرة".
المضيفة
تمر بالصدفة بجوار مقعديهما.. فنادتها نورا وطلبت منها بالعربية كوب من الماء للسيدة الفرنسية وطلبت شيئا آخر.. لم
تفهم السيدة الفرنسية ولم تكن تع كل ما يقال.. وكأنها في حلم..ربما كابوس!.
فاستجابت
المضيفة بإبتسامة وبعد دقيقة أتت بالكوب
ومعه الاسبرين..وقطعة علك.
نظرت
إليها نورا وقالت:" اسمي نورا.. طلبت من المضيفة كوبا من الماء وأقراص للصداع
وقطعة علك.. كلها أشياء ستساعدك علي الإسترخاء وستخفف من حدة خوفك.. اخبريني كيف أستطيع
مساعدتك؟".
أجابت
ميشال بشئ من التردد:" لا عليك.. أنا بخير.. شكرا لك".
وتناولت
الكوب وارتشفت منه ما يعادل نقطة ماء ثم أخبرت المضيفة أنها لا تريد علكا ولكنها
ستحتفظ بالأسبرين ربما احتاجته لاحقا، وشكرت المضيفة ثم رمقت جارتها بنظرة أقرب
للشك منها للشكر..
نورا كانت بالذكاء الكافي لتعلم ما يعتمل في نفس السيدة
ميشال.. إنفجارات باريس كافية للفصل في هذا الأمر..
لينك الرواية كاملة
من هنا
لينك الرواية كاملة
من هنا

Comments