أصيبت بشلل الأطفال في الصغر، عرجاء مكسيكية هجين من أب ألماني وأم نصف مكسيكية، بعد أعوام من خدمة أبيها المصاب بالصرع والذي قام علي تعليمها فنون الأدب والفلسفة قررت المكسيكية فريدا كالو أن تتجه لمدرسة الطب لتصبح طبيبة، ولكن لم يحالفها الحظ فقد أصيبت في حادث ارتطام قطار وسيارة وقُذف بها خارجا من وقع الإرتطام وسقطت علي الدرابزين الحديدي فاخترق عمودها الفقري من الخلف ليخرج من الأمام مخلفا وراءه كسور في الحوض والعمود الفقري والرقبة وتفتت قدمها الأعرج وخمسة وثلاثين عملية جراحية وآلام مبرحة ومزمنة طيلة حياتها.
قررت فريدا أن تغير طموحها في اللحاق بمدرسة الطب وأن تستكمل مسيرتها كرسامة،لتصبح بعد وفاتها أيقونة للرسم السيريالي في المكسيك وربما في العالم أجمع !
رسمت فريدا ما يعادل مائة وثلاث وأربعين لوحة وثلث لوحاتها تقريبا لها شخصيا، تجسد معاناتها مع الألم، ووحدتها، وعدم قدرتها علي مزاولة نشاطها المعتاد أو حتي إطعام نفسهاورسمت أيضا صور لها ولزوجها الفنان دييجو ريفييرا بعد إنفصالهما ثم عودتهما معا من جديد.
في إحدي لوحاتها رسمت نفسها وهي ممدة في الفراش وصحن ضخم ملئ بحيوانات تؤكل وأسماك وطيور وفاكهة وقد نزل من الصحن أنبوب طويل تتدفق فيه عصارة تلك الأشياء إلي فمها وشفتاها ممدودة في استسلام دون قدرة منها علي الحراك لإلتقاط الطعام.
من أشهر مقولاتها :" لا تصنع جدرانا حول ألمك، وإلا إلتهمك الألم من الداخل" .
الرسالة واضحة، عبروا عن آلامكم ...اكتبوها أو ارسموها أو حولوها لإبداعات ولوحات علي الجدران، وربما لن تجدوا مستمعين جيدين لقصتكم الآن، ففريدا نفسها لم تعرف بإسمها قط طيلة حياتها، بل كانوا يلقبونها بزوجة ريفييرا حتي لمع نجمها في أوائل السبعينيات ثم في التسعينات بعد وفاتها بعشرات الأعوام.
فريدا ليست المثال الوحيد لشخص حول آلامه لإبداع يحكي عنه التاريخ، بل هناك من حولوا آلامهم لآمال وأموال وإبداعات يتغني ويحكي بها الملايين علي سطح البسيطة وبكل اللغات ...إنها العظيمة جي كي رولينج ..كاتبة سلسلة هاري بوتر الشهيرة والتي وجهت كل إحباطاتها وآلامها بعد فشل زواجها وفقدانها لوظيفتها وبقاءها مفلسة علي شفا أن تصبح من المشردين إلي سطور علي ورق يسعي لشرائها الملايين ويقرأها الملايين من كل الأعمار، بل ويشاهدها في صورة أفلام مرئيّة المليارات علي شاشات التلفزة بكل اللغات.
بالطبع لا يمكننا تحويل همومنا إلي وجبات، لا يوجد شئ من هذا القبيل، وفي نفس الوقت إنها ليست طُرفة من باب الدعابة... فهمومنا في العموم يمكننا أن نحولها إلي أشياء أخري ذات قيمة تجلب لنا سعادة مشابهة لسعادتنا بأطعمتنا المفضلة، سعادتنا بالإنجاز أو سعادتنا بعمل شئ خلاق مبتكر لم يقدمه أحد من قبل.أذكر جملة قالتها المطربة العالمية ليدي جاجا حيث قالت في أحد لقاءاتها أننا جميعا خُلقنا نجوم، الكل مميز ..فقط نحتاج أن نبحث في دواخلنا عن أفضل شئ يكسبنا السعادة بممارسته و حتما سيكون الشغف هو نقطة انطلاق النجم الذي بداخلنا.
ربما ظننت من كلماتي أن الموهبة و الإبداع مقصور فقط علي الغرب دون العرب، هذا غير صحيح فالأديب العالمي نجيب محفوظ لم يتلق حظه من النجاح ولم يجن ثمار الشهرة جملة واحدة، بل بعد كتابه الخامس وللمفاجأة رفضوا نشر روايته الأولي لأنها " داهية" كما وصفوها لضخامتها ولا يوجد دار نشر ستقبل بتلك " الداهية"، واحبط الأديب الكبير وتوقف لفترة عن ممارسة شغفه بالكتابة حتي توسط أحد أصدقائه لدي صحفي بإحدي الجرائد أن يقوم بنشر روايته علي أجزاء في عمود بالجريدة بشكل أسبوعي، ولاقت الفكرة رواجا وزاد قراء الجريدة وارتفعت مبيعاتها بسبب " الداهية" في العمود الأسبوعي وهنا كانت نقطة الإنطلاق.
عزيزي المهموم، حول همومك إلي شئ تراه بعينك وتصنعه بيدك، وإن هوجمت ولفظوك فقط لا تتوقف ...ربما لم يولد جمهورك بعد!


Comments