استيقظت صديقتي منذ أيام علي صوت ضجيج وتكسير خارج منزلها، فما رأت من نافذتها غير عامل مكسيكي
يحفر بين الأنابيب والسلوك أمام المنزل، صديقتي
هالها ما رأت، فخرجت إليه تستفسر عما يفعل، فأخبرها أنه عامل شركة الإنترنت وقد كلفته
الشركة بإصلاح العطب، فأخبرته أنه لا داعي لذلك فقد أنهوا التعاقد مع الشركة منذ
أيام، فرد العامل بشئ من العنجهية والعجرفة
وقال:" لم
يخبروني بذلك، عموما سأنصرف"، فطلبت إليه أن يردم مكان الحفر ويعيد كل شئ كما
كان، فما كان من العامل المغرور إلا أن رفض وأخبرها أن الشركة تدفع له أجره عن
الحفر وليس الهدم وليس من مسئوليته أنهم أنهوا التعاقد وليس عليه أن يعيد شئ،
فأخبرته بأدب أنه خطأ من الشركة لأنهم أنهوا التعاقد بالفعل منذ أيام وليس من
الذوق أن يرد علي عملاء الشركة التي يعمل بها بهذا الشكل، فقال :" ألم تقولي
أنك أنهيت التعاقد مع شركتي؟"
فقالت:" بلي".
فقال:" إذن لن أعيد شئ!"
فقالت: حسنا سأشكوك في شركتك.
فقال: لن يغير من الأمر شئ فأنت لست عميلة.
فغلي الدم في عروقها وأخبرته أنه إن لم يعد كل شئ كما
كان فسوف تبلغ الشرطة بأنه تهجم علي منزلها وقام بالحفر أمام بيتها دون إذن.
فقال لها في تحد: هذه الأرض ملكية عامة للدولة وليست أرضك،
يمكنني أن أحفر أينما شئت.
لم ترد عليه واتصلت بالشرطة وحولوها لرقم مكتب عمدة
المدينة لتلقي الشكاوي.
فتسرب القلق لقلب الرجل وقال لها : حسنا حسنا سأردم
الحفر، لا داعي لاستكمال المكالمة، ماذا لو كنتِ أحسنتِ خطابي؟ لقد كانت طريقتك
معي فجة!
فردت صديقتي: عموما أنا أنتظر مكالمة من مكتب العمدة، إن
أردت أن أنهي كل شئ فسأفعل، من فضلك انه عملك في صمت!
فرد بسخرية: لقد علمت الآن لم يريد الرئيس ترامب أن
يحظركم ومعه كل الحق!
فقالت: هذا ليس من شأنك ولتنه عملك وتذهب من حيث أتيت!
بصق العامل في الأرض واستكمل عمله وهو يهذي بالشتائم ثم انصرف
بعد أن أنهي الردم.
اتصلت بي صديقتي وأخبرتني في هلع :"بعد اللي حصل في
نيوزلندا، أنا خايفة أخرج!"
وأشعر أن ما قالته لسان حال الكثيرين من المغتربين العرب
في بلاد الغرب، فطمأنتها وأردت أن أشارك ما قلت لها، ربما هناك من يريد أن يسمعه..
في البداية أخبرتها أن العنصرية متفشية في كل مكان وكل
زمان ولا تمارس فقط علي أبناء جنس بعينه، فالعنصرية كانت تمارس علي الهنود الحمر
بمنعهم من تحدث لغتهم في المدارس والأماكن العامة وإن حدث أن تلميذ قد أخطأ وتحدث
بلغته في المدرسة كان يتم تأديبه وجعله يغسل فمه بالصابون أمام باقي التلاميذ في
الردهات.
العنصرية أيضا اتخذت أشكالا عدة وكانت في ذروتها مع
الأفارقة السود، حيث كانوا يميزون بينهم وبين أقرانهم البيض في المدارس والمراحيض
العامة وحتي صنابير المياه العامة، وكفاح السود لدمجهم مع البيض في مدارسهم الأكثر
تطورا وتجهيزا مازال يضرب به البنان، وبعد سنين طوال من العناء والمعاناة تظاهر
الأهالي وقاضوا الحكومة للمطالبة بمساواة أبنائهم بأبناء البيض ومنحهم الفرصة في
التعلم في نفس المدارس والجامعات، وبعد ثلاثة أعوام من الشد والجذب تم تمرير قانون
دمج السود في مدارس البيض المتطورة وقُبلت أول دفعة من الأمريكان السود وكانت
مكونة من تسعة طلاب، كانوا يدخلون فصول المدرسة الثانوية تحت الحراسة المشددة
وأطلق عليهم
The Little Rock Nine.
العنصرية أيضا مورست ضد البيض أنفسهم، حيث يطلقون علي
ذوي البشرة البيضاء من يمتازون بالشعر الأحمر إلي البرتقالي والنمش المرشوش علي
وجوههم بأنهم ذوي رؤوس حمراء ويصفونهم بحدة اللسان والمزاج السئ والقدرة علي السحر
وجلب اللعنات وكانوا لا يثقون بهم.
كذلك الأيرلنديين كانت تصدر النكات بحقهم والتي تصفهم
بأنهم رعاع مسلحون ومخمورون وكانت المحلات التجارية والأماكن التي بها وظائف شاغرة
تضع يافطات مكتوب عليها
No Irish Need Apply
أو NINA
وذلك لمنع
الأيرلنديين من التقديم في الوظيفة.
وكذلك العنصرية الدينية مورست ضد المسيحيين الكاثوليك من
قبل، إذن ليس المسلمين فقط!
كل ما علينا أن نفعله ألا نحاول ترجمة المضايقات والإساءات
علي أنها رفض وكراهية ، حتي لا يبتلعك الشعور بالعزل والغربة، فلنفسر الأشياء
تفسيرا فلسفيا يبسط الأمور بدلا من تعقيدها، فلنقل أنه سوء فهم أو جهل بالآخر، أو
فلنقل أنه ربما كانت هذه المضايقات ضريبة المعيشة في بلد متحضر وهو مختلفون عنك،
لا يتحدثون لغتك ولا يفقهون حديثك! المكوث في منزلك دون احتكاك لن يغير شئ إلا
للأسوأ!
كيف لنا أن نعبر جسور الكراهية ؟
هذا هو السؤال الذي يجب علينا أن نطرحه، وفي رأيي المتواضع
إن أساء الناس فهمك فلا يجب عليك أن تمكث في صندوقك تنتظر الفرج !
الله يرزقنا مساع الرزق، ولكن لا يطعمنا في الأفواه!
نحتاج القليل من الجهد لنبذ سوء الفهم، إن كنت تجيد شيئا
فتطوع به في الكنيسة المجاورة أو بالمستشفي العام أو مراكز علاج السرطان أو
المدرسة القريبة من بيتك، أوانضم لأنشطة إطعام المشردين واللاجئين وضحايا العنف
الأسري، كذلك أنشطة التبادل الثقافي وحوار الأديان
Interfaith dialogue
إن كنت ممن لا يندمجون بسهولة ولا يحبون الصخب، فاسمح لي، لم يعد هذا اختيار مطروح الآن، يمكنك التبرع للمنظمات التي تسعي لتلك الجهود أو حتي تنشر كلمتهم عبر وسائل التواصل أو اخبر جيرانك وأصدقائك، طبيبك أو زملاء العمل عن تلك الجهود..
هذه هي الطرق الأكثر فعالية لرأب الصدع بين الثقافات، لا يجب أن يكون كل مجهودك منصب في جاليتك وأبناء جلدتك فقط، لو كنت مغترب فأنت بشكل ما جزء من هذا المجتمع، كما تنتفع منه، انفع غيرك فيه، ولا تتوقع الأجر والمكافأة من الناس، فقط لا تتوقع التغيير لأنه يأتي بالتدريج وقد تمر السنون دون أن تري ثمرة جهودك، هذا أمر عادي، وتذكر أنه ليس من واجبك جعل من لا يعرفك يحبك، ولكن ليري الجيد الذي تأمرك به ثقافتك، لقد سمعوا كثيرا عن السئ والآن حان الوقت ليتعلموا عن الجيد فيك!
هذه هي الطرق الأكثر فعالية لرأب الصدع بين الثقافات، لا يجب أن يكون كل مجهودك منصب في جاليتك وأبناء جلدتك فقط، لو كنت مغترب فأنت بشكل ما جزء من هذا المجتمع، كما تنتفع منه، انفع غيرك فيه، ولا تتوقع الأجر والمكافأة من الناس، فقط لا تتوقع التغيير لأنه يأتي بالتدريج وقد تمر السنون دون أن تري ثمرة جهودك، هذا أمر عادي، وتذكر أنه ليس من واجبك جعل من لا يعرفك يحبك، ولكن ليري الجيد الذي تأمرك به ثقافتك، لقد سمعوا كثيرا عن السئ والآن حان الوقت ليتعلموا عن الجيد فيك!
فقط المزيد من التطبيق والعمل والقليل من الشجب
والكلام...

Comments