جو بايدن و الطاووس المتعجرف!
كيف يمكن أن تُضللنا أحكامنا علي الناس من حياتهم
الشخصية؟
حقا لم أكن
لأتوقع فوز بايدن بمقعد الرئاسة، رغم كل التضييقات التي تمارسها الحكومة الحالية
علي المهاجرين ، والتي شملت الجميع وتأثرت بها جميع الفئات المهاجرة بداية من
قرارات منع الحصول علي الجنسية الأمريكية من المهاجرين من أصحاب الدخل المحدود
والذين يستعينون بإعانات الحكومة للحصول علي سلع تموينية أو وجبات مخفضة من
المدارس أو منح دراسية للدراسة بالجامعات، و حتي كبري شركات التكنولوجيا حيث تعمل الحكومة علي تحجيم حصول موظفيها علي تأشيرات العمل والتي يعتمدون
بشكل كبير علي المهاجرين من البلدان الأخري للعمل بها لارتفاع أسعار الالتحاق
بالجامعة وارتفاع تكاليف الدراسة فيعزف أغلب الناس عن الدراسة بالجامعة حتي تتاح
لهم الفرصة. أيضا هناك تعطيل بتأشيرات الدراسة الأمر الذي حطم آمال الطلبة
الدوليين، وآخرا المهاجرين الغير شرعيين الذين رحًلوهم وابقوا علي أبنائهم في
سجونهم.
لم نكن
لنصدق هذا الفوز الكاسح من شراذم الأصوات المتفرقة من هنا وهناك، تجمعت الأقليات
المضطهدة التي أطاحت بالطاووس الأمريكي المتعجرف.
لم أتخيل
خطابات بايدن الشديدة السماحة حد المبالغة سوف تستقطب جمهورا من كارهي المرشح
الرئاسي الآخر، ولا أعلم لم كان محور حديث الديمقراطيين هو حياة بايدن الشخصية
للترويج له واعتبروها سيرته الذاتية لتشجيع الناس للتصويت له.
لا أعلم بأي
حق سمحوا لأنفسهم بالخوض في جروحه والإشارة لحادثة وفاة زوجته الأولي وطفلته في
حادث شنيع، ثم وفاة ابنه الأكبر "بو" الذي عمل بالحقل السياسي بسرطان
الدماغ وهو في أوج نجاحه في عامه السادس والأربعين، ثم التطرق للحديث عن إدمان
ابنه الأصغر وتقبل "بايدن" لابنه ومساندته له رغم كل شئ. لم نسع لقولبة
الناس بناءا علي ما يجري في حياتهم الشخصية؟
هذا برأيي
تقييم غير صحيح، فهناك الكثير من الناس ناجحون في حياتهم الشخصية والعائلية ولكن
الأمر ليس كذلك علي الصعيد المهني، والعكس صحيح، علي سبيل المثال ستيف جوبز صاحب
شركة أبل، فقد نشرت لابنته مقالات تحكي فيها عن سوء معاملته لها وشحه الشديد، لكن
علي الصعيد المهني، هو شخص ترك بصمته في كل مكان، من منا لا يملك حتي سماعة أذن أو جهاز الكتروني من شركة أبل؟
وهذا الآخر
مايكل كوهين محامي ترامب المشطوب حاليا والممنوع حاليا من ممارسة المحاماة بسبب
انصياعه لمخالفات الرئيس المنتهي ولايته وتدليسه واحتياله، لما كانت محاكمته،
تباكي للقاضي وأخبره أن أبويه من الناجين من الهولوكوست، ثم بعدها خرج للإعلام
يؤكد أن مبادئه كسلسيل أحد الناجين من الهولوكوست دفعته لقول الحقيقة ومواجهة
العواقب مهما كانت، حقا؟ وأين كانت هذه المبادئ السمحة منذ بدأت العمل معه في عام
2006 وشاهدت بأم عينك المخالفات وشاركت فيها؟ الآن فاق ضميرك؟ الآن استيقظ بعدما
عوقبت بالسجن ثم الإقامة الجبرية؟
وعلي النقيض
تماما قصة مثل قصة القاضي الأمريكي من أصل أفريقي جريج ماثيز، كان والده ضمن عصابة
محترفة تدعي عصابة إيرول فلينز وابتعد عن ولده جريج، والتحق الابن بالعصابة لاحقا
واشترك في العديد من أنشطة العصابة الإجرامية من ابتزاز وتهريب مخدرات وسرقة، حتي
تم القبض عليه وهو في السابعة عشرة من عمره وإيداعه بسجن اليافعين القصر، حتي
زارته والدته وأعلمت الجميع بإصابتها بمرض سرطان القولون، وكان هذا سببا في
الإفراج المبكر عنه حتي يستطيع الإعتناء بوالدته.
وهنا كانت
البداية الجديدة، حيث ترك جريج أعمال
الإجرام وعمل بسلسلة مطاعم شهيرة وقدم بالجامعة وتم قبوله بكلية الحقوق، لكن بعدها
تم رفضه لمزاولة المحاماة لنشاطه الإجرامي السابق، فاستكمل دراسته وصار مساعدا لأحد
أعضاء مجلس المدينة وحصل علي الدكتوراة في القانون ورشح نفسه بإنتخابات المدينة كي
يصبح قاضيا، وهنا هب المعارضين من هواة العولبة والقولبة وعشاق المظاهر الفارغة
وثاروا ضده ، ولكن نظرا لجهوده المخلصة في خدمة أبناء جلدته من السود خصوصا،
اختاروه وصار أصغر قاضيا في دائرة 36 عن ولاية ميتشجان في عام 1995، واختير كأفضل
خمسة قضاة بعدها.
لو استمر
الناس علي قولبة غيرهم والحكم ظاهريا علي شخص من ماضيه أو من حياته الشخصية، فهم
يبخسون أهل الخبرة والعلم حقهم. هناك الكثير من الناس ناجحون ولكن يفتقرون لمهارات
التواصل، بينما هناك من يملك سحر الكلمة وأناقة المظهر ويفتقر للخبرات والحنكة
التي تؤهله، بحق الله لا تبخسوا الناس أشيائهم، لا تبخسوا الناس خبراتهم. بربكم،
اختاروا أهل المناصب بناء علي أجنداتهم، بناء علي إنجازاتهم علي الصعيد المهني،
وليس علي أساس نسبهم، علاقاتهم أو حيواتهم الشخصية.
مصادر
جلسة محامي
ترامب والمقطع الذي تباكي فيه
ابنة ستيف
جوبز
https://www.nytimes.com/2018/08/23/books/steve-jobs-lisa-brennan-jobs-small-fry.html
القاضي جريج
ماثيز
https://en.wikipedia.org/wiki/Greg_Mathis

Comments