لا أعلم ماذا كان يجري بخُلد السيدة هاجر رضي الله عنها حين تركها زوجها خليل الله المأمور سيدنا إبراهيم عليه السلام
في صحراء مقفرة، لا أهل ولا أصدقاء، لا مال، ولا مصدر رزق، ولا زرع ولا ناس ولا أحبة، خلاء، وخلاء فقط...
وتسأله إن كان هذا أمر الله فيجيبها بنعم، وبيقين وثبات منقطع النظير تتمتم: فلن يضيعنا الله!
( رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ )
وقيل الزرع ما ينبت في الأرض بغير ساق، أي أنه تركها في صحراء لا آخر لها ولا دليل علي حياة ولا نشور..
كان من حسن إيمانها بنبوة زوجها أنها اكتفت بالله، رأت الله في فعله، فأحسنت الظن بالله خيرا
حسُن إيمانها، فظنت خيرا بربها وأيقنت واستحضرت اليقين به والتسليم له..
وهكذا فعل سيدنا وأبانا إبراهيم عليه السلام الصالح المكلف، لم يري الناس ولم يأبه بهم، فعل ما سأله الله، وترك زوجته ووليده كما أراد الله…
مدفوعا بقوة التسليم بأمر الله واليأس من عصيانه فعل…
مدفوعا بقوة اللاجدوي امتثل..
فجازاه الله ألا يضيع وديعته التي استودع ولا يخيب دعاؤه الذي طلب
ثم، تُلهم زوجته أن تدور وتدور في لا نهائية، وتدعو وتصلي دون انقطاع، تطلب من الله المحال
مدفوعة بقوة اللاجدوي ، عمل صالح، تكرره بنمطية مفرطة وشيئ من اللا جدوي،
تدعو وتدعو وتدعو، فتحدث المعجزة من بطن الألم واليأس، ويبارك الله الخُطي المخلصة والسعي الدؤوب الذي يري الله ولا يري الناس…
فيخلٌّد الذكر ويُتبع الخُطي المبارك حتي يوم الدين.
حتي يوم الدين نسعي سعي السيدة هاجر ونتبع خطاها المخلصة ونبتهل بالدعاء ونؤدي مراسم الحج والعمرة حتي يومنا هذا كل يوم وكل عام بفضل بركة دعاء أبينا إبراهيم عليه السلام.
وكأن المطلوب الإلهي حينما نصل لنقطة المستحيل وقمة اللاجدوي أن نمتثل ونسلم الأمر لله، فنسير علي نهج إبراهيم عليه السلام كما سار الحبيب موسي عليه السلام.
بنفس روح اليقين بالله والتسليم لأمره هرب موسي عليه السلام بعد أن خشي بطش قومه وفرعونه،وفي بساطة اللاجئ الغريب وتسليم صاحب القلب الموحد الجرئ احتمي الحبيب موسي إلي ظل شجرة، ودعي الله، دعاه مدفوعا بقوة اليأس واستحالة الجدوي،
لا أهل، لا سند، ولا أحبة ولا مال ولا رزق ولا شئ…
يجلس في استسلام لقضاء الله المحتوم وينتظر في يقين وصبر ولا جدوي، فتأتي فتاتين يسقي لهما الزرع ويفعل شيئا، يقول شيئا، يسعي سعي دؤوب يري فيه الله، يريد عون الله، وحلول الله ونصر الله...
فينعم الله عليه باحتياج المستضعفين له،
من نعم الله الكبري عليك يا بن آدم الستر، وأرقي الستر أن تكون مهشما، ولازال الناس يستأنسون بسعة صدرك ويستترون يجدار روحك!
ولا ينتظر موسي ولا يقف ساكنا بلا حراك ولا يعرف لليأس طريق، ولا يخلف وعد الله، هو يري الله في فعله، مؤمن موقن بالله، يساعد أهل الله مع أنه ليس هناك جدوي، ربما هو أتعس حالا ممن كانوا في حاجة لعونه وإن لم يطلبوا حتي عونه، ولكن موسي عليه السلام يري الله حتي لو لم ير الجدوي، فيجازيه الله عن طيب فعله وإثره من بطن يأسه، ويكافئه بأرزاقه معجلة مجتمعة، أسرة ورزق وأمان وحصن احتمي به واستعان به علي عدوه، حتي يأتي الميعاد والتمكين…
ماذا لو كانت الجدوي موجودة، ولكن ليست متاحة الآن؟
أراد الله بإبراهيم وهاجر وموسي عليهم السلام خيرا، فرزقهم الصبر علي اليقين ورزقهم الحلم علي المجهول والتقرب لله بالعمل الصالح حتي وإن لم يروا حسن العواقب لأنهم قصدوا الله ولم يقصدوا الجدوي، وانتظروا جزاء الله ولم ينتظروا الجدوي،
عن أنس رضي
الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة،
فإن استطاع ألا تَقوم حتى يَغرِسَها، فليَغرِسْها))[1].
جعلنا الله
ممن احتمي بكرم الله و سقي الحرث وغرس الغراس حتي وإن لم ير الجدوي.
جعلنا الله ممن احتمي بنور الله وإن لم ير الجدوي.
#إرهاصات
زر موقعنا

Comments